ذات يوم قرأت بأن الذاكرة تتماهى مع حاسة الشم, فهناك روائح بمجرد أن نشمها, يكفي أن نغمض أعيننا ,
فنرى مكان و زمان و أشخاص, في زمن عَبَر و مضى, و نحن لا نزال في لحظة الحاضر!!
هذه الروائح تذكرتها وأحسست بها تدخل الى انفي مصطحبة معها الذكريات...
و هنا لا بد لي من أن أذكر بعض الروائح التي لا يمكن أن تفارق عقلي و كياني:
رائحة طين الجسر في الشتاء ,
رائحة الياسمين والفل في زوابيق حارة الجرن
رائحة العاصي , والبساتين وخصوصا في الربيع
رائحة البن والبهارات المنبعثة من محل مصطفى حللي ( الله يذكرو بالخير اذا كان لسا عايش )
رائحة تفاعل الماء مع الحجارة و خاصة لما كانت امي تشطف أرض الديار من زلق الحمام وهيية عم تسبسب على جارنا الحميماتي
رائحة الفتيش أيام العيد,
رائحة جوارب المصلين في جامع التمرة يوم الجمعة , أقسم انها ما بتروح من بالي
رائحة الخبز المشروح المنبعثة من فرن القشقاع
رائحة سيكارة اللف ( القجق ) اللي كان يشربا أبو محمد جاري الله يذكرو بالخير
رائحة الطبخ عند الظهر ونحنا رجعانين من المدرسة الطالعة من البيوت ( مجدرة -محشي - برغل ببندورة )
رائحة الكربج اللي كنا نسرقو من بستان زنيب بالربيع ..
رائحة شوي السودة والمعلاق يوم الاحد ..
وشغلات كتير يمكن ما عم تسعفني الذاكرة انو اذكرها...
أخيرا بالاذن من نزار بدي عدّل قصيدته الدمشقية , لتصير قصيدتي الجسرية :
هَذي الجسر.. وهَذي الكَأْسُ والـرَّاحُ *** إنّي أحبُّ... وبَعْـضُ الحُـبِّ ذَبَّـاحُ
أنا الجسرّي .. لَوْ شَرَّحْتُمُ جَسَـدِي*** لَسَـالَ مِنْـهُ عَنَـاقِيـدٌ.. وَتُـفَّـاحُ
وَلَـوْ فَتَحْـتُمْ شَـرَايينِي بِمِدْيَـتِكُـمْ *** سَـمِعْتُمُ فِي دَمِي أَصْوَاتَ مَنْ رَاحُوا
زِرَاعَةُ القَلْبِ تَشْفِي بَعْضَ مَنْ عَشِقُوا *** وَمَا لِقَلْبِي ـ إذا أحْبَبْـتُ ـ جَـرَّاحُ
مَـآذِنُ الجسر تَبْكِـي إِذْ تُـعَانِقُـنِي ***وَ لِلمَـآذِنِ .. كَالأشْـجَـارِ.. أَرْوَاحُ
لليَاسَمِـينِ حُقُـوقٌ في مَـنَازِلِنَـا *** وَقِطَّةُ البَيْـتِ تَغْفُـو حَيْـثُ تَرْتَـاحُ
طَاحُونَةُ البُنِّ جزْءٌ مِـنْ طُفُـولَتِنـا *** فَكَيْفَ أَنْسَـى ؟ وَعِطْـرُ الهَيْلِ فَوَّاحُ
عشرون عَامَاً .. وَأَجْـزَائِي مُبَعْثَرَةٌ.*** فَوْقَ المُحِيطِ .. وَمَا في الأُفْقِ مِصْبَاحُ
تَقَاذَفَـتْنِي بِـحَـارٌ لا ضِفَـافَ لَهَا.*** وَطَارَدَتْنِـي شَيَـاطِـينٌ وَأَشْـبَـاحُ
هُنا جُذُورِي.. هُنا قَلْبِي .. هُنا لُغَـتِي*** فَكَيفَ أُوضِحُ؟ هَلْ فِي العِشْقِ إيضَاحُ؟